عن انتصار القوة الناعمة وانكسار القوة الغاشمة: السعودية أنموذجا؟

مشاهدات

 

بقلم: أستاذ الفكر السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي
نائب رئيس تحرير صحيفة العروبة اليوم



هكذا قال (فاليري جيسكار ديستان) الرئيس الفرنسي آبان القرن الماضي "نحن نتطلع لشيء ما جديد في التنظيم والهيكل والمفهوم".
بعد أن شاخت ومرضت الأفكار القديمة سقطت وانهارت، تلك الأفكار التي فرضت سطوتها علينا فسقطنا معها في المزيد من التخلف والانهيار والرجعية. يمكن لأي شخص أن يتحدث عن نظام جديد بل ثورة كبرى شهدتها المملكة العربية السعودية في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان. ثورة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والفكرية، ثورة في تجديد الخطاب الديني محل الخطاب التقليدي بعيدا عن التحكم والإكراه، ثورة في الأدب والفن والمسرح، في الرياضة. لاسيما أنها ثورة واضحة أمام العالم وللشعوب العربية بالتحديد، وهي فرصة تاريخية للتغيير، فلم تعد شعوبنا هم أنفسهم الذين ولدوا وعاشوا في تلك الحقب المظلمة. إن هذه الثورة تمثل البداية الجديدة التي انتجت وستنتج نموذجا لا يختلف قيد أنملة وربما أقوى وأكبر من النموذج الكوري الجنوبي، وهو نموذج الصراع بين القوة الناعمة والقوة الصلبة.

من هذا المنطلق يجب على العالم أن يسمع المملكة العربية السعودية وولي عهدها اليوم ولا يصمّ البعض أذنيّه كما فعل سابقا، وإن هذا الخطاب البالغ الأهميّة بما يتضمن لا ينفصل عن جملة الأحداث الدائرة في الشرق الأوسط ولا عن تاريخ السعودية ودورها المؤثر والكبير في السياسة العالميّة على مر التاريخ. من هنا فإن ثورة السعودية هي ساعة الفجر في يوم الأمم والشعوب، وهي ميلاد عالم جديد يحلل طبيعة المهام المتمثلة في سياسات الأمن الدولي، والمال، والبيئة العالمية. إذن هي تعبر عن بصيرة ثاقبة للقيادة السياسية في المملكة العربية السعودية على نحو غير عادي، كما أن قدرة هذه القيادة على التعامل مع المواقف جاءت هي الأخرى على نحو غير عادي، فقد تعامل القادة في السعودية مع القضايا السياسية المعقدة، الدولية والإقليمية والعربية والمحلية، بطريقة استراتيجية شاملة، لما يجب أن تفعله المملكة لاحتواء الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع مع إيران، ومواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، وباقي القضايا المثيرة للخلافات على الساحة السياسية الدولية. لهذا فإن ثورة التصحيح في المملكة العربية السعودية واضحة جدا، وإن هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الأمة العربية تُعد فرصة تاريخية لتغيير كل ما هو قديم وتجاوز كل السلبيات.
 
في السياق ذاته أن موضوع الطاقة والاعتماد على الغاز والنفط العربي لم يعد هو الأساس في العلاقات مع العالم العربي، لأن الدولة السعودية سعت إلى فتح المجال للتبادل الثقافي مع العالم، وتوسيع دائرة المشاركة في كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتفعيل دورها المستقبلي في العلاقات الدولية مع وضوح الرؤية ضد محاولات التشويه التي تقوم بها بعض الدول الغربية، من خلال إعطاء الانطباع الخاطئ القديم ضد المملكة، بيد أن السعودية هي أول من تصدت للإرهاب الأصولي أو الراديكالي  والقضاء عليه في المنطقة.
 
واستنادا إلى ما سبق، فإن أن سلوك القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية، ينطلق من رؤيتها بمستقبل علاقاتها الدولية من خلال إدراك مصالح السعودية الوطنية وكذلك مصالح الدول العربية، باعتبار أن تلك المصالح هي الباعث الحقيقي لنشاطها وسلوكها تجاه المحيط الدولي. وبالرغم لاتجاهات ومفاهيم المصالح من أهمية التفاعلات الدولية، فانه لا يمكن بأي ٍحال من الأحوال تجاهل المصلحة الوطنية والقومية كدافع حقيقي لسلوك الدولة السعودية.

ويمكن تلخيص المنهج السعودي كما يلي:

1. المملكة العربية السعودية تسعى دائما إلى تعزيز قوتها، في إطار المصلحة التي تتحدد في إطار القوة.
2. المملكة هي التي تمثل الفاعل الرئيس في العلاقات الدولية.
 3. ترى المملكة أن السياسات الدولية صراعية بالضرورة، فالصراع من أجل القوة في نظام يتسم بالفوضوية (غياب السلطة المركزية) لا يترك خيارا سوى الاعتماد قوة وإمكانيات المملكة على قدرتها لضمان استمرارها.
4. إدراك القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية لمصالحها الوطنية يساعد في شرح سلوكها والتنبؤ به.
5. إن المصلحة الوطنية تشكل عامل الارتكاز الأساسي في السياسة الخارجية للمملكة.
6. اعتبار العامل الأمني الأهم في سياسة الدول الخارجية، فالدولة السعودية سوف تبذل قصارى جهدها كي تحافظ على أمنها بشتى الوسائل.

 ومن أجل رسم مستقبل أفضل لعلاقتها مع دول العالم، وخاصة في ظل عصر الهيمنة الأمريكية على العالم، ونظرا لوجود اعتبارات استراتيجية متعددة، وضعت القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية محددات هذه العلاقة المستقبلية ومكوناتها من خلال الإجابة عن سؤالين رئيسيين:
 
الأول: ما هي المصالح العربية التي يتوقع أن تقوم بها السعودية بدعمها، وتساعدهم في تحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟

 الثاني: ما المصالح الدولية التي تعتقد المملكة العربية السعودية أنها قادرة على التعاون مع الدول الكبرى وتحديدا الصين، لتحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟
 
منه هنا يمكن القول، إن اهتمام الدولة السعودية بقضايا الأمة العربية مثل فلسطين والعراق وسوريا والأمن كان ومازال واضحا للعيان.


 ويمكن القول إن العرب خرجوا بقناعة بأن السعودية هي من تمسك بزمام الأمور بتلك القضايا في المرحلة الراهنة.







إرسال تعليق

0 تعليقات